روائع مختارة | قطوف إيمانية | التربية الإيمانية | بناء.. الأجيال

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > التربية الإيمانية > بناء.. الأجيال


  بناء.. الأجيال
     عدد مرات المشاهدة: 8467        عدد مرات الإرسال: 0

إن زماننا كثير التعقيد كثير التحديات، كما أنه كثير الفرص والبدائل والمعطيات، وإن كثيرًا من الناس يعانون من كثرة الانشغال، وغياب وعيهم عن كثير من القيم والمفاهيم التي تشكل جوهر حياتهم، ويضحي النجاح في لفت انتباههم إليها، عملًا قيمًا في حد ذاته، ولو كانت استجابة الناس محدودة.

 وعلى أمة الإسلام جهد في سبيل إثارة اهتمام جماهير المسلمين نحو قضايا التربية والتعليم، بوصفها القضايا الأكثر فاعلية في تشكيل ملامح الأجيال الجديدة، ولن نستطيع أن ندرك مدى حاجتنا إلى المدارس الجيدة إلا إذا تصورنا جيلًا من غير قراءة ولا كتابة.

وآنذاك لن ترى سوى الأمية وضيق الأفق والسذاجة والخرافة والبطالة, وتدهور الشخصية, وهذا يعني انهيارًا كاملًا للإنسان وبالتالي للمجتمع، ولهذا فإن كون أول كلمة يهبط بها جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم تحث على القراءة، يُعد عميق الدلالة في هذا الشأن.

 وبين أيدينا كتاب بعنوان (بناء الأجيال) للدكتور (عبد الكريم بكار)، وهو يتحدث فيه ويؤصل لقضية من الأهمية بمكان، ألا وهي كيفية بناء الأجيال من خلال غرس القيم فيها.

 المقدمة:

 يتحدث الدكتور عبد الكريم في المقدمة عن تحديد هدف التربية الإسلامية سواء كانت في البيوت والمساجد والمدارس، فهي تستهدف تكوين المسلم الحق، الذي يعيش زمانه في ضوء العقيدة, والمبادئ التي يؤمن بها، وقد عمد الدكتور إلى توضيح الهدف من التربية من خلال تلك النقاط: 

 ـ تعريف الناشئة على الله جل وعلا، وأنه الخالق الرزاق المعين الواحد الأحد الذي يستحق منا إخلاص العبادة، وغرس حب الله ورسوله في نفوسهم.

 ـ إطلاع الناشئة على الخصائص العامة للإسلام وما تحمله من الشمول لكل جوانب الحياة، وصلاحية الإسلام لتوجيه حياة الناس في كل العصور.

 ـ تعزيز روح الانتماء إلى أمة الإسلام، والانتماء إلى المجتمع المسلم الذي يعيش فيه الناشئ, وتربيته على المحافظة على الموارد الطبيعية، والمحافظة على المرافق العامة والمساهمة في تنميتها.

 ـ بث روح الإصلاح في الناشئة، وإشعارهم بمسئوليتهم تجاه القيام بالدعوة إلى الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وتشجيع الخير ومحاصرة الشر.

 ـ تحفيز حب الاستطلاع، وتدعيم روح التساؤل والمشاركة والمناقشة للقضايا المختلفة.

 ـ تكوين الإنسان الحر الذي يمتلك حريته لا عن طريق الشعارات، ولكن عن طريق توفر البدائل، وعن طريق العلم والإرادة ومقاومة الرغبات.

 ـ تعزيز فهم الطالب للواقع وما يدور في أفق حياته اليومية, وتبصيره بأحوال العالم المعاصر.

 الموضوع الأول: مبادئ ومفهومات مهمة في التربية:

 ثم تناول الدكتور موضوعًا بعنوان مبادئ ومفهومات مهمة في التربية، ومع أن هذه المبادئ والمفهومات الأساسية كما يقول الدكتور لا تتصل جميعًا بالعمل التربوي على نحو مباشر، لكنها على كل حال تشكل الفضاء الحضاري الذي تتنفس فيه كل جهودنا الإصلاحية على اختلاف مجالاتها ومستوياتها.

ونحن نعلم أن من خصوصيات ميدان التربية أنه يعتمد في حركته وتطوره على حقائق ومفهومات مأخوذة من ميادين معرفية متعددة، قريبة من التربية أحيانًا وبعيدة عنها أحيانًا أخرى.

 ومن هذه المبادئ تشجيع المبادرة الحرة، وهذا يحتاج إلى روح مختلفة، عن الروح السائدة في معظم بلادنا الإسلامية، حيث إننا نرى كثيرًا من المعلمين والمربين الأخيار يضبطون إيقاع الحركة في بيوتهم وفي مدارسهم ومؤسساتهم التعليمية أكثر بكثير مما ينبغي، ويستهلكون الكثير من جهودهم في هذا الشأن.

وربما كانوا يفعلون ذلك لأنهم لا يتصورون بديلًا لما يقومون به سوى الفوضى والتفلت, وتضييع الواجبات, والخروج على النظام والآداب العامة، وهم ينسون أنهم بذلك ينشغلون عن بناء الوعي لدى الطلاب، وتنمية روح المسئولية الشخصية التي من غير قسط من الحرية لا تنمو ولا تترسخ، كما لا تنمو الحاسة الأخلاقية والوازع الداخلي من غير ترك فرصة للاختيار.

 ومن هذه المبادئ التي ذكرها الدكتور، الحوار لا المناظرة، لافتًا إلى أننا لو عدنا إلى التربية التي تلقيناها ونحن صغار، لوجدنا أن الكبار كانوا يمارسون عملية إلغاء للصغار، فتكلُّم الصغير أمام الكبير مخلًّا بالأدب الرفيع الذي يجب أن يتحلى به الناشئ، وسؤال الطالب لأستاذه عن دليل القول الذي يقوله، تشكيك في معرفة الأستاذ.

وأحيانًا في أمانته وهكذا، فنحن لسنا بحاجة إلى المناظرة ولكننا بحاجة ماسة إلى الحوار، حيث إن كل واحد من المتحاورين لا يحرص على إقناع صاحبه برأيه ليتبناه، ويعدل عن رأيه الخاص، وإنما يقوم بإضاءة نقطة مظلمة.

وتوضيح قضية غامضة لا يراها المحاور الآخر على الوجه الصحيح, وهكذا يكون الحوار هادئًا باردًا وديًا، لأنه يستهدف النفع المتبادل، وليس الاستيلاء والاستحواذ، ومن المهم جدًا أن نجعل الحوار أساسًا في حياتنا, ولا سيما المجال التربوي.

 الموضوع الثاني: قيم أساسية في التربية:

 ثم انتقل المؤلف للحديث عن الموضوع الثاني, وهو بعنوان قيم أساسية في التربية, ومن هذه القيم الإيمان الحي, فهو أول قيمة ينبغي أن نهتم بها، وننشئ أبناءنا عليها، فهو القاعدة العظمى التي من غيرها لن يجد المسلم أي إطار مرجعي ذي قيمة لكل الأخلاق والقيم الأخرى، فالإيمان الحي يدفع المسلم دفعًا إلى مناجاة الله تعالى في السراء والضراء، والاعتصام به عند الكروب والأهوال.

 وحين يصبح الإيمان على هذه الصورة، يكون مصدرًا لابتهاج الروح وراحة الفؤاد واطمئنان النفس.

 ومن هذه القيم أيضًا النية الصالحة، حيث كان السلف رحمهم الله يركزون على قضية النية، وضرورة إخلاصها لله تعالى، وكانوا ينظرون بحساسية قوية لموضوع طلب العلم، حيث كانوا يشددون على ضرورة أن يكون طلبه لله تعالى، فإن أسعد الناس بالعلم هو الذي يطلبه قربة إلى الله تعالى، لأنه يقصد به إصلاح شأنه ونفع الناس.

 ومن القيم أيضًا التي ذكرها المؤلف، التفوق والنجاح, فالحرص على التفوق والنجاح والارتقاء المستمر من المعاني المهمة التي ينبغي أن يحملها أبناء الجيل الجديد, ولاسيما أن الحياة تزداد صعوبة وقسوة، وفرص العمل الجيد لا تتاح إلا للمتفوقين المتميزين.

ومن المهم أن نوضح لمن نربيهم أن الواحد منهم قد يتفوق تفوقًا عظيمًا ولو لم يكن من أسرة ثرية، أو لا يتمتع بقدرات عقلية ممتازة، المهم في كل الأحوال والظروف أن يمتلك الفتى أكبر قدر ممكن من المفهومات والعادات التي تساعده على التفوق، والتي من أهمها: طلب المعونة من الله تعالى واللجوء إليه والثقة بما عنده، إلى جانب المحافظة على الوقت, والمثابرة.

 الموضوع الثالث: البيئة التربوية:

 والحقيقة أن التساؤل حول وجود بيئة تربوية تساؤل مشروع ومفهوم, ولا سيما إذا علمنا أن كثيرًا من الفتيان صاروا ينتقلون عبر وسائل البث والاتصال في أرجاء العالم، وصاروا يتواصلون مع بيئات أجنبية عن بيئتهم المحلية على نحو كثيف لا يقل أحيانًا عن تواصلهم مع أهليهم وأبناء بلدهم.

ومع هذا فإن الأطفال والفتيان والشباب يظلون أميل إلى الثقة بذويهم ومعلميهم أكثر من ثقتهم بما يرون ويسمعون مما لا يعرفون أي شيء عن مصادره وخلفياته, بل إننا إذا نجحنا في تحسين مستوى الحيوية والتفاعل في مدارسنا وجامعاتنا، فإن كثيرًا من الأبناء سوف يتخذون من توجيهات معلميهم ومرشديهم نظارات يرون من خلالها العالم.

 الانسجام مع الذات: فيمتلك الأطفال والفتيان درجة عالية من البراءة، فهم يثقون بالكبار ويعتقدون بصدق ما يقولونه، ويستغربون ما يرونه من تصدع بين الأقوال والأفعال في سلوكات الكبار، ويقفون حائرين عاجزين عن الفهم والتأويل.

حينما ينتظم الأطفال في الدراسة، ويتفاعلون مع المواد الدراسية تبدأ لديهم محاكمات من نوع جديد، ففي هذه المرة يقارنون بين ما يلقنهم إياه أساتذتهم وما يقرءونه في الكتب المدرسية وبين ما يشاهدون من سلوك آبائهم وأقربائهم وأساتذتهم وزملائهم، ويصبحون تحت وطأة صراع وحركة شد وجذب.

وتحت هذا الصراع يتشكل لديهم عدد كبير من المشاعر والمفهومات المزعجة التي تُضعف في النهاية من صلابة الشخصية.

 وهذا في حد ذاته أمر صعب فتتحمل المدرسة مسئولية كبيرة، والحل الوحيد هو أن تبذل كل ما في وسعها كي تجعل من نفسها بيئة منسجمة مع ذاتها، متناغمة مع الرسالة التي تسعى إلى تبليغها لطلابها وتقوم بتربيتهم عليها، ويتطلب ذلك أيضًا تضييق الفجوة بين واقع المدرسة, وواقع سلوك معلميها وموظفيها, وعلاقتهم ببعضهم.

 ليست المدرسة جزيرة معزولة: فالبيئة المدرسية مهما نالت من العناية تظل جزءًا من بيئة عامة, ومن الصعب إدخال تحسينات جذرية عليها إذا كانت الأوضاع في البيوت والشوارع سيئة منهارة، وهذا هو السر في أن كثيرًا من الدول النامية استعارت نظمًا تعليمية.

وغير تعليمية من بلاد الشرق والغرب وحاولت الاستفادة من تجارب الأمم المتقدمة، لكن النتائج كانت دائمًا دون الطموحات، لأن النظام التعليمي ما هو إلا نظام فرعي يتنفس ويتغذى في فضاء بيئة شكلتها مجموعة النظم العقدية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية.

 وهناك عدة مواصفات للبيئة التعليمية الجيدة ذكرها المؤلف، من بينها:

 1. لابد من الالتزام بالمبادئ والقيم الإسلامية, لأنها تشكل الأساس العميق الذي يقوم عليه البناء التربوي كله.

 2. تحفيز روح الانفتاح والمصارحة والمشاركة والتعاون لدى جميع المنتسبين إليها من إداريين ومعلمين وطلاب.

 3. المدرسة الجيدة لا تحاول أن تجعل طلابها عبارة عن نسخ مكررة ينظرون إلى الأشياء من منظار واحد، ولا يحسنون سوى تنفيذ الأوامر، وإنما تترك مساحات للتنوع الشخصي والسلوكي والفكري في إطار الالتزام الشرعي.

 الموضوع الرابع: بناء العقل:

 ثم أطل علينا الدكتور عبد الكريم بالموضوع الثالث وهو بعنوان بناء العقل، ذاكرًا فيه متطلبقات العقل والتي كان من بينها، تنقية العقل أولًا, فكثيرًا ما تحتوي عقول طلابنا على الأفكار الخاطئة, ومنها التعصب والخضوع للعاطفة, والوقوع تحت تأثير الشائعات, والرؤية النصفية، فيجب قبل البدء في عملية التربية تنقية العقل من الرواسب السلبية.

 وتكلم الدكتور عبد الكريم أيضًا عن تنمية الإبداع, وأكد على ضرورة إشعار الطالب أنه شخص مهم يعقد أهله ومعلموه عليه آمالًا لا يعقدونها على كل الأبناء والطلاب.

ويمكن استغلال الفرص للتعبير عن ذلك، ومن الأشياء التي تشعر الطالب أنه مهم؛ طلب رأيه داخل الفصل وخارجه، وتعزيز ثقته بنفسه، فالثقة بالنفس ضرورية لتوسيع الطموحات، وخوض التجارب، وتقوية العزيمة، ومعنى الثقة بالنفس يقين الشخص بأنه قادر على القيام بأمور قد لا يستطيع كل الأقران القيام بها.

 الموضوع الخامس: جيل يعرف:

 ثم تناول المؤلف بعد ذلك موضوعًا بعنوان جيل يعرف، وتحدث فيه عن أهمية المعرفة بالنسبة لنا وللطلاب، وأورد الباحث بعض الأمور الهامة التي يجب مراعاتها في اكتساب المعرفة, منها البعد عن التحيز للتخصص، حيث لا يجوز لأي مدرس أن يُشعر الطلاب بأن المادة التي يدرسها خطيرة جدًا بكل تفاصيلها, وملحقاتها, وأن عدم فهمها يؤدي إلى كارثة.

 وكذلك من الأمور الواجب مراعاتها، ألا نسرد أقوال العلماء على أنها مسلمات لا خلاف فيها، فذلك يولد لدى الطلاب عقلية البعد الواحد، كما يولد لديهم ضيق الأفق.

 ثم تكلَّم المؤلف بعدها عن دور المعلم في عملية التعليم، وذكر أنه حتى يكون المربي ناجحًا في تربيته، عليه أن يتمثل شخصية اللاواعي، ويحاول أن يتصرف مع طلابه، كما يتصرف الأب مع أبنائه، ولذلك فإن المعلمين يجب أن يقوموا بالآتي: النظر إلى ما يصدر عن الطالب من تصرفات خاطئة على أنها نتيجة عدم نضجه وعدم فهمه لقوانين الحياة.

قراءة ما في عيون الطلاب ووجوههم وحركاتهم والتي تعبر عن الهموم والمشكلات التي تؤرقهم وتعكر صفوهم، إنه يستطيع أن يعرف ما يعاني منه طلابه, على الرغم من قلة المعلومات والتفاصيل التي في حوزته.

 ومن الأشياء التي ذكرها الدكتور عبد الكريم, أنه يجب توفير دعم كبير للمعلم من أجل تأدية دوره على أكمل وجه، من خلال الإعلام المسموع والمرئي والمقروء، وتوفير أيضًا الأرضيات والأطر للحوار والنقاش الجاد والفعال بين أولياء أمور الطلاب والمعلمين، وبين المسئولين وعامة الناس، من أجل تشكيل نشاط مواز يدعم أنشطة المدارس التربوية والتثقيفية, وسوف تستفيد المدراس كثيرًا من ذلك النشاط.

 الموضوع السادس: شخصية المعلم:

 فدور المعلم في التعليم هو الدور الأساسي، ومن غير النهوض به لا يمكن الحديث عن أي تقدم في التعليم، مهما أنفق عليه من مال وهُيئ له من أسباب.
وهناك بعض السمات ذكرها الكاتب والتي يجب أن يتحلى بها المعلم:

 ثقافة المعلم: وذكر المؤلف بعض الملاحظات عليها, منها:

 1. عصرنا الذي نعيش فيه بات يُزهِّد في الحصول على المعرفة، فكثرة متطلبات الحياة أشغلت الناس عن تثقيف أنفهسم, ووجود أشخاص كثيرين حققوا نجاحات دنيوية واسعة دون تعمق في المعرفة، جعل الناس يعتقدون أن التفوق المالي والاجتماعي لا يتوقفان على الانغماس في القراءة والاطلاع.

وهذا ليس ذريعة يتقاعس من أجلها المعلمون للتوسيع معارفهم وتجديدها، فهناك كثير من المعلمين يجدون الوقت للقراءة والبحث وإقامة الدورات.

 2. الثقافة أداة للتربية والإصلاح، وهي تفقد قيمتها إذا مقطوعة الصلة بالناس, والمعلم على وجه أخص بحاجة إلى أن يثري ثقافته فيما يعود على طلابه بالنفسه، فهو بحاجة لاتقان فن التحفيز, وكل ما يتصل بأسس النجاح وأخلاقياته ومستلزماته.

 وقد أشار المؤلف إلى عدة مهام للمعلم:

 المعلم القدوة: وذكر ضرورة أن يكون المعلم قدوة لطلابه خاصة المعلم المسلم، فهو يمضى على خطى النبي صلى الله عليه وسلم في التبليغ والتعليم والهداية، فالمعلم الذي لا يصلي, ولا يهتم بشعائر الإسلام، والذي يدخن.

والذي يضع الدرجات لطلابه دون تصحيح جيد لأوراق الإجابة، أمثال هؤلاء لا يصلحون أن يكونوا قدوات لطلابهم فحسب، بل إنهم يمارسون دورًا تخريبيًا، فهم يسممون الحياة الفاضلة في المؤسسات التعليمية.

 المعلم المرب: وأشار فيها أن المعلم إذا أراد أن ينجح في أن يكون مربيًا، فإن عليه أن يتمثل شخصية الأب الواعي، ويحاول أن يتصرف مع طلابه، كما يتصرف الأب مع أبنائه.

 المعلم مجدد معرفة: وتجديد المعرفة يكون بشرح المعارفة القديمة بعبارات جديدة أو بضرب أمثلة من الواقع عليها، أو تطويرها ونقدها, وإدخال بعض التعديلات عليها.

 تحدث المؤلف عن أنماط المعلمين: وهم المعلم المهمل والذي يهمل في المهنة الدراسية, والمعلم المستبد وهو يفتقر غلى المرونة الذهنية, المعلم الفوضوي فلا يلتزم بالنظم ولا بتوجيهات الإدارة، المعلم العادي وهو النمط السائد في المدراس.

 المعلم بين الحقوق والواجبات, وأشار فيها الكاتب أننا يجب أن نعتبر أن ما يقدمه المعلمون لأبنائنا هو أكبر بكثير من أن يُقوَّم بالمال، إنهم يقدمون نوعية جديدة من الحياة، ونوعية جديدة من بلورة الشخصية، فيجب أن نقدم للمعلمين الدعم المادي ويتمثل في زيادة الرواتب والمكافآت، والدعم المعنوي ويتمثل في تقدير المهمة التي يقوم بها المعلمون.

 الموضوع السابع: علاقة المعلم بالطالب: قضية الاحتساب والعلاقات التفاعلية

 وها هو المؤلف يطل علينا عبر الموضوع السابع ليتحدث عن علاقة المعلم بالطالب، ومن أهم ما يقوم به المعلم تجاه الطالب هو زرع الثقة, من خلال إفشاء السلام على الطلاب, وسؤالهم عن أحوالهم.

 أيضًا، التحدث معهم في أمور مهمة بالنسبة إليهم خارج نطاق المسائل التعليمية، حيث يتم بذلك كسر الحواجز بين المعلم والطالب، تلك الحواجز التي يصنعها التعليم وسلطة المعلم، وتشجيع الطلاب على التحدث بأمور لا يعتقدون أن للمعلم معرفة خاصة بها.

 ويجب أيضًا عدم تسرع المعلم في إصدار الأحكام، وأخذ الطلاب بالشبهة، حيث إن بعض الطلاب يعيش فيما يشبه الخوف الدائم من أن يُتهم بأمور لم يقم بها, أو أن يساء فهمه، أو تدبر له مكيدة.

 وقد أشار الكاتب هنا إلى أهمية وجود شيء من الهيبة في نفوس الطلاب تجاه معلميهم، ومن ضمن الأشياء التي يجب أن يقوم بها المعلم؛ حتى يجعل الطلاب يهابونه:

 ـ تماسك شخصية المعلم، ومدى سيطرته على انفعالاته.

 ـ كلما اتسعت المسافة بين وضعية المعلم العلمية والفكرية، وبين ما هو مختزن في خبرات الطلاب علت مكانته في نفوسهم، حيث إن الطلاب كلما انتقلوا إلى مرحلة من مراحل التعليم توقعوا من أساتذتهم مستويات علمية وأخلاقية معينة من منظور ما رأوا وما سمعوا في الماضي.

 جو الاحترام: وكما ذكر الدكتور عبد الكريم أن جو الاحترام ليس شيئًا يصنعه الطلاب وحدهم, وإنما هي مسئولية المعلمين والموظفين.

 الاحتساب في التعليم: وهي فكرة تسيطر على حس الكثيرين من المعلمين المسلمين في الماضي فكانوا يرون في ممارسة التعليم قربة من أعظم القرب إلى الله تعالى، ولذا فإنهم كانوا يتحرون النية الصالحة فيه, ويحاولون جعله خالصًا من الشوائب المادية.

 العلاقة التفاعلية: والمعلم الجيد يقيم علاقة تفاعلية مع الطلاب، إذا إن بعضهم ينجذب إليه بوصفه قدوة له، وبعضهم يستمع إليه ليستفيد من معلوماته.

 مشكلات التقويم: فمن المهم البحث عن الأسلوب الذي يجعل من الامتاحانات وسيلة لتنمية الطالب، عوضًا عن أن تكون وسيلة لتعويقه وتحطيمه.

 الموضوع الثامن: أسلوب التعليم:

 ثم عرج المؤلف بعد ذلك بالحديث على أسلوب التعليم، ومن الأشياء التي ذكرها في هذا الموضوع، التوسط في التعامل مع الناشئة, فالطالب في حاجة إلى ألا نتخلى عنه وألا نهمله، كما أنه بحاجة إلى ألا نطويه تحت أجنحتنا لنلغي شخصيته ووجوده، والتوازن المنشود في هذا الشأن ليس في متناول اليد دائمًا، فلا بد من البحث المستمر عنه.

 المعارف المقفلة: فالمعلم الناجح يتخذ من المعارف الأساسية والمقفلة, ومن المعارف المفتوحة وسيلة لتكوين عقلية الطلاب التكوين الصحيح، كما يتخذ منها حافزًا يدفع الطالب إلى المزيد من التشوق لاكتساب الجديد، وهذا لا يكون إلا إذا حاول المعلم من خلال شرح المادة التي تخصص فيها تمليك الطالب رؤية واضحفة لطبيعة المادة وآفاق النمو التي تنتظرها.

 الوضوح في الشرح: ويكون ذلك من خلال إيراد الأمثلة على الشيء أو الفكرة التي يريد توضحيها، فالمثال يخفف من مستوى تجريدية اللغة, ويقرب المعنى المشروح من الخبرة المتوفرة لدى الطالب.

 التعليم التطبيقي: فالممارسة العملية خلال التعليم لا تساعد على توضيح الصورة وصقل المهارة فحسب، ولكنها تخفف من حدة الملل والسأم الذي يتولد من الاقتصار على التعليم النظري والسرد المتتابع للمفهومات والمعلومات التجريدية.

 السرد القصصي: أشار الكاتب إلى أن القصة تتيح للطلاب إمكانات الفهم المتعدد، وتترك أمامهم المجال واسعًا للاستنتاج والاستخلاص.

 تخفيف الضغوط: فمن الأشياء التي تساعد في تخفيف التوتر والضغوط التعليمية, إتاحة البدائل وفرص الاختيار أمام الطلاب, وذلك في الاختبارت والواجبات المنزلية وأماكن الدراسة.

 التهديد واستخدام السلطة، وقال ها هنا أن مهنة التدريس ستظل مشوبة بالإحراج، لأن المعلم مهما بلغ من الحلم, ومهما ملك من سعة الصدر، يجد نفسه حائرًا في التعامل مع بعض الطلاب، وكم من معلم استنفد كل إمكاناته وأساليبه في جعل الطالب يقوم بكتابة واجباته أو ينتظم في حضور الدروس.

أو يهدأ في الفصل ولكن دون جدوى، وكثيرًا من المعلمين يجدون أنفسهم مضطرين إلى استخدام سلطاتهم في حمل الطالب على عمل ما يعتقدون أنه الصواب، وبعضهم يتجاوز تلك السلطات إلى الضرب والتهديد والاستهزاء، وقد سجلت اليابان حالات عديدة مات فيها طلاب أثناء عملية تأديب معلميهم لهم.

 ويمكن القول أن لجوء المعلم كثيرًا إلى مثل هذه الأساليب، دليل على ضعف شخصيته، وعلينا أن نحكم على المعلم الذي يعجز عن تصحيح مسار طلابه من غير اللجوء إلى الضرب أو الضغط النفسي؛ بأنه قد قطع الطريق على إمكانية قيام علاقة حميمة بينه وبين كثير من طلابه، وأنه بسبب ذلك فقد الكثير من فاعلية أدائه التعليمي.

 الموضوع التاسع: ثلاثة تحديات أساسية:

 الموضوع قبل الأخير الذي تناوله الدكتور في هذا السياق هو ثلاثة تحديات الأساسية، وهي: حضارة غير مواتية: فعلى صعيد المجال العلمي المعرفي, فالوضع العام الذي تعيشه معظم الدول الإسلامية، لا يشجع ولا يساعد الآباء والمربين على تكوين جيل يقدر العلم فمثلا:

متوسط الأمية في العالم الإسلامي يزيد على 40%، وعلى صعيد المجال الاقتصادي المعيشي, فهو في تدهور فازدياد الفوارق بين الفقراء والأغنياء، حيث إن الشريحة الوسطى التي ينبغي أن تشكل قاعدة المجتمع العريضة تتضاءل على نحو مستمر لصالح طبقة قليلة ولكنها غنية جدًا.

 ومن التحديات وسائل تثقيف منافسة، وركز المؤلف على المشكلة الموجودة بين المدرسة مع وسائل الإعلام, فهناك اختلاف في الأهداف في كل منهما, كما أن وسائل الإعلام قد لا تراعي ثقافة الجمهور, فهو يصنع ثقافة الناس.

 القصور الذاتي، فقد مضت سنة الله جل وعلا في خلقه أن تكون المعاناة الأساسية للبشرية في كل شئونها بسبب ما تصنعه بيدها، ويمكن القول إن كثير من المشكلات الجوهرية التي تعاني منها مدارسنا، لا تنبع من ضغوط الحضارة الغربية, ولا من منافسة وسائل الإعلام, وإنما من ارتباكها حيال نظمها ومشكلاتها الخاصة.

 ومن التحديات أيضًا التي ذكرها، تراجع مستوى المعلومات والمعارف، وتراجع مستوى التشوق والحب الخالص للعلم، إلى جانب تراجع مستوى الإحساس بمعاني الفضيلة والسعي للدار الآخرة, بالإضافة إلى التلبس ببعض مزالق الانحراف ومظاهره لدى كثير من الناشئة.

 أضف إلى هذا أن البطالة تتفشى على نحو جوهري في صفوف خريجي المدارس الثانوية وغيرها، ويبرز أيضًا القصور الذاتي في المدارس في الجانب الخلقي، فالمدرسة التي تسعى إلى تخريج جيل صالح مطالبة بما لا تطالب به دائرة حكومية أو شركة تجارية، بوجوب تضمين المبادئ والأخلاق الفاضلة في مناهجها.

ومن الأمور المحرجة جدًا أن يرى الطلاب في سلوك المعلمين والإداريين ما يناقض أحيانًا ما يتم تقريره داخل حجرات الدراسة.

 الموضوع العاشر: آفاق التجديد التربوي:

 هذا وقد ختم الدكتور عبد الكريم بكار، كتابه بالحديث عن التجديد في الفكر التربوي، وذكر أن من ضمن الأشياء التي ستعمل على تجديد الفكر التربوي، الاستفادة من الوسائل التثقيفية الحديثة, فمن شأن المزيد من التقدم العلمي والتقني أن يتيح المزيد من المرونة والسهولة في الحركة.

كما أن من شأنه أن يوفر الكثير من الوسائل والأساليب والخيارات, وهذا ما نلمسه بالنسبة إلى الحقول الإعلامية والمعرفية عامة، إن موقفنا من وسائل الإعلام بضرورة أن تكون داعمة للمدرسة، وهذا يحولها إلى أداة معينة ومساعدة لها.

 وقد صار بإمكان كل مدرسة أن تؤسس موقعًا على الإنترنت، وتوصل عبره لطلابها وذويهم كل ما تريده من معلومات وأفكار، وتتلقى في الوقت نفسه منهم مقترحاتهم وآراءهم تجاهها، وإلى جانب هذا فقد صار بإمكان الدول والهيئات التربوية أن تبث عبر الفضائيات كل المعلومات التي تنطوي عليها الكتب والمقررات الدراسية.

 كذلك إذا أردنا أن يتحلى الطلاب بالأخلاق، فلن يكون هذا من خلال مادة دراسية تتحدث عن فضائل الأخلاق فهم يستمعون هذا في خطب الجمعة, والذي يفيد حقًا في هذه الأمور توسيع مجال الحوار مع الطلاب، وإعطاؤهم فرصًا أكبر للتعبير عن همومهم وطموحاتهم، بالإضافة إلى ملاحظة دقيقة من المعلمين لسلوك الطلاب حتى يشجعونهم على الاستمرار والمثابرة في أعمالهم.

الكاتب: د. عبد الكريم بكار 

المصدر: موقع طريق الإسلام